بعد أن أصبح أبناء جيل الألفية يُشكلون نصف القوى العاملة، وباتت الكثير من المؤسسات تواجه تغيرات جذرية نظرًا لنفشي الجائحة، لا يوجد وقت أفضل من هذا للنظر فيما تتوقعه هذه الشريحة السكانية
كيف تتواصل مع أبناء جيل الألفية الموجودين بين القوى العاملة التي تعمل لديك؟ وما الخطط التي تضعها لتسخير مهاراتهم في عالم العمل الجديد؟ إذا كانت الإجابة “لا شيء” “ولست متأكدًا”، فقد حان الوقت الآن لمعرفة جميع المستجدات المتعلقة بهذا الجيل. لطالما ركّز أبناء جيل الألفية على إيجاد توازن بين العمل المُجدِ، وفعل الشيء الصحيح وكسب ما يكفي من الأموال لسد حاجته – وقد فاقم كوفيد-19 من سعيهم نحو هذا المطلب.
يشاركنا بالأسفل، ديفيد برايس أو بي إيه، خبير التعلم المؤسسي ومؤلف كتاب القوة الكامنة بداخلنا، خبراته بناءً على المقابلات التي أجراها مع القادة المُلهمين من جميع أنحاء العالم.
الحرية التي يحتاج المرء إلى الشعور بها لإنجاز العمل
منذ بضعة سنوات، طُلب مني تسهيل اجتماع لبعض أرباب العمل الرئيسيين في المملكة المتحدة. وقد طلبوا أن أُقدم عرضًا تقديميًا حول السبب الذي يجعل أبناء جيل الألفية يفتقرون إلى المهارات التي يحتاجونها وما الذي يمكنه مساعدتهم. وفكرت في أنهم لا يفهمون الأمر برمته. لذا، بدلًا من ذلك، جهّزت نسخة أكثر استفزازًا جاءت بعنوان “ما الذي يجعل أبناء الألفية الأذكياء لا يرغبون في العمل لدى “ربّ عمل”.
شاركت الأدلة التي ضمت السمات التي بحث عنها أبناء جيل الألفية في المؤسسات الكبرى: ألا وهي القيادة الشاملة، والشفافية، والتعاطف، والغرض الأخلاقي، والالتزام نحو التنوع والصراحة المطلقة. والإنسانية. وقد شعرت وكأنني أتحدث لغة أجنبية، فقد كانت هذه هي الطريقة التي تجاوبوا بها مع الأمر. وأشك حقًا في أنني سأتلقى رد الفعل نفسه اليوم.
لقد ساهمت الجائحة في تغيير كل شيء، بما في ذلك بيئة العمل. يمكننا أن نرى بالفعل أن فكرة العمل خمسة أيام في الأسبوع في المكتب الذي يقع في قلب المدينة باتت أمرًا مبالغًا فيه. ولكن العمل من المنزل الذي بات ضروريًا بسبب الجائحة جعل أرباب العمل يفكرون أيضًا في “تطبيق قانون الإلزام” الجديد. ففجأة أصبحوا مضطرين إلى إلزام الموظفين بالعمل للساعات المطلوبة من أجل إنجاز المهمة. على الرغم من ذلك، كانت المفاجأة الكبرى في أنه اتضح أن الموظفين كانوا أكثر إنتاجية في الحقيقة حينما كانوا يعملون دون أن يراقبهم أحد.
الأمر أكثر من مجرد مرتبات وامتيازات
ولكن العملية سارت بصورة عكسية أيضًا: فمع استهلاكهم وقتًا أقل في التنقل ووجود وقت أكبر للتفكير، بات بمقدور أبناء جيل الألفية التساؤل بجدية عما يريدونه من وظائفهم. كان هناك نمط بدأ في الظهور بالفعل. ففي الاستطلاعات المتتالية التي أجرتها شركة ديلويت “Deloitte” في السنوات الأخيرة، عبّر أبناء جيل الألفية عن نواياهم بوضوح: إذ قال 60% منهم إنهم سيختارون ربّ عمل يتمتع بإحساس بالهدف؛ وقال 71% منهم أنه يجب على الشركات بذل الكثير من الجهد لتناول القضايا العالمية، ونُدرة الموارد (68%)، والتغيّر المناخي (65%) وعدم المساواة في الدخل (64%).
لم يُشكل التركيز القوي على التحديات المجتمعية الشرط الأساسي الوحيد لأبناء جيل الألفية، ولكنهم يريدون أيضًا العمل في مؤسسة تساهم في إنماء شخصيتهم وتطويرها. أخبرني غاري ريدج، المدير التنفيذي لشركة WD-40 ورئيسها إن “أبناء جيل الألفية يريدون مكانًا يصبحون فيه أفضل مما كانوا عليه البارحة، من خلال التعلّم”. “فهم فضوليون للغاية. يعتقد الكثير من الأشخاص أن الأمر يتمحور حول الحصول على الطعام المجاني ولعب لعبة دفع الأقراص في المطعم. لكن هذا غير حقيقي، إنهم تواقون للمعرفة”.
الشفافية المطلقة
ومن بين إحدى الشركات الأخرى التي تحدثت إليها، كانت شركة BrewDog إحدى شركات صناعة البيرة المحلية الأسرع نموًا في العالم. إنها تعيّ هذه الحقيقة الجديدة – لا لشيء إلا لأن المشاركين في تأسيسها، مارتن ديكي وجيمس وات، ينتمون إلى أبناء جيل الألفية بذات أنفسهم. خرقت شركة BrewDog جميع القواعد التي تنص على طريقة بدء الأعمال التجارية، وخلال 10 سنوات، تمكّنت حرفيًا من الانتقال من مجرد رجلين يبيعان البيرة برفقة كلب من شاحنة سيارتهما إلى شركة تجني ملايين الجنيهات.
يُصر مؤسسوها على “الشفافية المطلقة” (إتاحة جميع شؤونهم المالية لجميع موظفيهم وإتاحة جميع وصفات البيرة الخاصة بهم لكل شخص). ولديهم أيضًا هيكل تنظيمي يتساوى فيه الجميع بصورة كبيرة. إذ أخبرني جيمس وات عندما أجريت مقابلة معه: “توفر الشركات الكبيرة المتضخمة القليل من الاستقلالية، ونتيجة لذلك، لا أحد يتحمل المسؤولية. فبوجود تسلسل هرمي أكثر مساواة، يشعر الجميع بالمسؤولية ويتنفسون هواءها”.
لكن الأهم من ذلك كله أنهم لا يديرون شركة، وإنما يقودون مهمة أخلاقية. فقد أصبحوا مؤخرًا مؤسسة خالية من الكربون وبدؤوا في زراعة 150,000 شجرة في غابة في اسكتلندا – شجرة لكل مستثمر ضمن حملة “أسهم للعامة”. وهم يصرون على دفع الأجور إلى جميع طاقم الموظفين الموجودين في الحانات الخاصة بهم غير مكتفين بالحد الأدنى للأجور وحسب، وإنما أجر معيشي – إلى جانب إجازة “أبوية” مدتها أسبوع إذا حصلت على كلب جديد. ولا عجب في أنهم يتلقون آلاف المتقدمين في كل مرة يعلنون فيها عن وظيفة شاغرة جديدة.
وهنا يكمن مربط الفرس: فإذا أردنا أن ينضم أبناء جيل الألفية إلى مؤسساتنا، فبدلًا من استخدام بيانات المسؤولية الاجتماعية للشركات (CSR) الفارغة، علينا أن نعثر على سبُل لابتكار تأثير اجتماعي يتمركز حول تمكين الأشخاص وإشعار الموظفين بأنهم يُشكلون جزءًا من شيءٍ يفوقهم بمراحل.
ديفيد برايس أو بي إيه هو مؤلف كتاب القوة الكامنة بداخلنا: كيف نتواصل، ونتصرف ونبدع معًا، الذي نشرته شركة Thread books